الإلهة ليليث ملكة الليل

دراسة اثرية عن إلهة العالم الأسفل

    لقد ميز سكان بلاد الرافدين القدماء بين الآلهة من حيث مركزها، فأشارت النصوص الأدبية والدينية إلى وجود مجموعة تتكون من خمسين إلها يطلق عليهم الآلهة العظام أو الآلهة الكبار الوربوتيم(ilūrabūtim)  يترأسهم الإله آنو (anu^d)  إله السماء وأبو الآلهة، وكانت هذه الآلهة تتميز بالمعرفة والإدراك العالي، والى جانب هذه الآلهة هناك سبعة من الآلهة الأقوياء)الآلهة السبعة( الذين يحددون الأقدار والمصائر والتي تكون كلمتهم هي الحاسمة ولهم القول الفصل.

 مع هذا العدد الكبير من أسماء الآلهة(2000-3000) اسما اغلبها أسماء وصفيه، وهكذا  تطلب الأمر إعطاء كل واحد منهم تخصصه ورموزه التي يحملها أو ترافقه في المنحوتات، ثم مركزه بين باقي الآلهة العظام، البعض منها يمثل الخير والبعض الآخر يسبب الكوارث والأمراض وهؤلاء هم الشياطين والعفاريت فهي بذلك تمثل الشر وتثير الخوف والرهبة في النفوس، فكان إلزاما على الشخص مهما كان موقعة في المجتمع ان يحمي نفسه من شرورها وبطشها بأجراء بعض الطقوس الدينية والتعازيم ويتقرب بالدعاء إلى الآلهة الكبار لتحميه وتمنحه رعايتها ،هذا وهناك صنف آخر من الآلهة لا قيمة لها ولا فائدة أطلق عليهم طر-طر) (tar- tar)هي كلمة طرطر أو طرطور وجمعها طراطره وهي كلمة ما زالت مستعملة لحد الآن ترادفها عبارة شعبية عراقية: الإمام لِما يشور إيصيحوله أبو الخرك(، أن للآلهة الرئيسة مكانة في قلوب الناس وشعبية في العقلية الرافدية القديمة ،فآلهة المدن كانت منظمة على غرار حكومة ملكية تتضمن مناصب مماثلة لما في القصور الملكية لحكام المدن: أي إداريين بوظائف مختلفة، وكذلك حرفيين من الآلهة أيضا وبذلك نقل طابع النظام الدنيوي إلى الآلهة السماوية.

   شخصية الإلهة في اللوحة، فاغلب البحوث التي استقيت منها معلوماتي كانت متضاربة، لا يمكن ان نكون جازمين في شخصية الملكة التي انحصرت في ثلاث شخصيات:

• الإلهة لليت: بالأكدية) لليت (وبالعبرية) ليليث (وكلاهما تعني لليل أو ليلة، وبالنسبة ليليث وردت في التلمود البابلي وهي صنف من الشياطين، أما في النصوص بلاد الرافدين فأن المعلومات نادرة عنها، أولها وردت من ملحمة گلگامش باعتبارها شيطانه، وثانيها تعويذة من ارسلان طاش) شمال غرب سوريا) الموقع القديم (Hadātu)، والكثير من الباحثين يتفقون على ان شخصية الملكة في اللوحة هي شيطانه أو عفريته كما سيرد فيما بعد.
• الإلهة عشتار: وهي من أشهر معبودات بلاد الرافدين بل والشرق الأدنى القديم، وتشترك مع لوحة الملكة بحمل رموز العدالة، وغطاء الرأس المقرن، والأسد وهو حيوانها المفضل، ولكن لم تصور بنفس وضعية الملكة، فهناك اختلافات كما سيرد في بحثنا وعن المشتركات بين عشتار واللوحة، ومع هذا من الصعب الجزم بأنها صاحبة اللوحة تماما.
• الإلهة ايرش-كيكال: إلهة العالم الأسفل التي تسكن في قصر من ألازورد في باطن الأرض، وتشترك هي الأخرى مع بعض رموز اللوحة ومنها رموز العدالة) الحلقة والقضيب (، وغطاء الرأس المقرن.

    لكن ما عثر حتى الآن من المنحوتات التي توضح شكل إلهة العالم الأسفل نادر جدا لان الموت لا شكل له، وحتى في الأختام الاسطوانية من الصعب تميز ملامح الوجه، ولهذا وجود تشابه لكن ليس كاملا.

     أما تاريخ اللوحة فيمكن القول إنها من فنون العصر البابلي القديم، وتحديدا عصر حمورابي، ولها جذور بسيطة جدا ونادرة إلى العصر الكاشي، عموما فكرتها الفنية قديمة لكن صيغت في الفترة البابلية القديمة.

    حاولت ان أقدم صورة واضحة لهذه الإلهة التي اعتقد بأنها تجمع ثلاث آلهة في لوحة فنية واحدة، وهذا العمل الفني معروف في الشرق الأدنى القديم، فهناك لوحات تجمع عشتار وما يقابلها الإلهة إيزيس المصرية والإلهة قدش الكنعانية، ولوحة أخرى قدش والإله مين والإله ريشف الكنعاني، وفي مصر يتم جمع إلهين معا مثل آمون – رع وآتوم – رع وسيرابيس .... الخ، وإذا افترضنا ان الملكة هي ذاتها الشيطانة ليليث أو كما يضن بعض الباحثين إنها ايرش-كيكال فلابد من فكرة بابلية جديدة تجمع ثلاث آلهة معا) ليليث وعشتار وايرش-

كيكال)  في لوحة واحدة لان الجميع يشتركن في الرموز الموجودة في للوحة الملكة، وقد يكون هذا الأسلوب الفني من ابتكارات العهد البابلي القديم وشاع استخدامه في منطقة الشرق الأدنى القديم أسوة باللغة الأكدية المسمارية وأسماء الآلهة والأساطير وحتى أسلوب  كتابة الرسائل المتبادلة بين ملوك عصر العمارنة.  

الأستاذ الدكتور

صلاح رشيد الصالحي

تخصص: تاريخ قديم

بغداد 2020