تخطيط المدينة العراقية القديمة - الشكل الخارجي
الاستاذ الدكتور محمد طه الاعظمي
من المعلوم أن هناك جملة من العوامل التي ساهمت بدفع عجلة التطور نحو نشوء وتمصير المدن، وبشكل عام فإنه يبدو لنا أن المدينة والحياة المدنية ما هي إلا سلوك ومنهج جديد في حياة الفرد يتوجب عليه فيها الإلتزام بمظاهر وتقاليد وسلوكيات اجتماعية لم يألفها في السابق من شأنها أن تحدد علاقة الفرد ببيئتة من جهة، وبينه وبين بقية المستوطنين من جهة أخرى، لتكون المحصلة النهائية ــ ولو بشكل نظري ـــ إتفاق الجميع على صيغة من التعامل بما يخدم مصلحة الفرد والمجتمع على حدٍ سواء.
ومن تلك المتغيرات السلوكية والمظاهر الاجتماعية الجديدة نذكر على سبيل المثال زيادة نسبة السكان ثم تنوع الحرف والصناعات فيها والتخصص في العمل واستغلال فائض الإنتاج وفي التجارة والإهتمام بتشييد المباني التذكارية من قصور ومبان إدارية ومعابد وابتكار وسائل لضبط التقاويم وتدوين المعارف والعلوم مع إمكانية نقلها من جيل إلى آخر. ثم الإلتزام بنظم وقوانين تسري على الجميع، وابتكار مختلف الوسائل للمحافظة على الأمن والاستقرار فيها من مؤسسات إدارية أو تشريعية أو بناء الأسوار و الأستحكامات الدفاعية حولها.
وإذا ما حاولنا تطبيق هذه المعايير على المستوطنات السكنية في بلاد الرافدين وبالتحديد عند المناطق الجنوبية منه في العصر الشبيه بالكتابي (عصر الوركاء، جمدة نصر وفجر السلالات الأول 3500-2800ق.م) لوجدنا أن عدداً من المستوطنات السكنية أخذت تتبلور فيها مظاهر حضرية جديدة لم تكن معروفة في السابق ، نذكر منها ازدياد مساحة تلك المستوطنات وضمها لمجاميع بشرية كثيفة لم تكن تعتمد في اقتصادياتها وإدامة حياتها على الإنتاج الزراعي فقط بل تعدتها نحو الانتاج الحرفي وبعض الصناعات وأعمال التعدين والطرق على المعادن والتجارة.
كما ضمت تلك المستوطنات بيوتاً سكنية ذات تصاميم وأشكال تدل على وعي وتخطيط مسبق في تحديد وظيفة كل مرفق فيها ، كما شيدت فيها القصور الواسعة والمعابد والزقورات؛ واخترقت المستوطن شوارع وأزقة بامتدادات واتساعات مختلفة قامت على جوانبها البيوت وورش العمل والحوانيت والمزارات.
كما نجد أن السلطة السياسية – الدينية قد حلت بمؤسساتها محل القرية ومشايخها في حفظ النظام وتسيير دفة البلاد ، وابتكرت وسائل وأساليب مختلفة لحماية المستوطنات السكنية والقرى والحقول الزراعية التابعة لها فاستخدمت أسلحة ونظم عسكرية جديدة كما بذلت عناية فائقة بتشييد الإستحكامات الدفاعية بأنماطها المختلفة مثل حفر الخنادق وبناء الأسوار والأبراج والتي يمكن أن نستشف من خلالها على شيوع ظاهرة الإنفصال والإستقلال السياسي وتكوين سلالات حاكمة خاصة بكل مدينة أو إقليم.
لاستكمال مطالعة البحث (أضغط هنا من فضلك)
Comments powered by CComment