د. عبد الامير الحمداني

الكشف عن اسرار الحضارة في عصر حمورابي

كتب بواسطة: Salam Taha. Posted in د. عبد الامير الحمداني

تقييم المستخدم: 4 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتعطيل النجوم
 

 

hamadani

عبد الأمير الحمداني

نشرت في مجلة بين نهرين - ملف  إدراج بابل في قائمة اليونسكو للتراث العالمي

( العدد 123 لشهر آب 2019 - اضغط هنا لتنزيل النسخة الالكترونية للعدد

 

تأخر إدراج ملف مدينة بابل الأثرية في قائمة اليونسكو للتراث العالمي نحو أربعة عقود لأسباب متعددة، منها مثلاً ما حصل في ثمانينات القرن الماضي من إضافات غير علمية، وصيانة غير مدروسة وغير مقنعة، والتي جرت في غياب التنسيق مع المنظمات الدولية التي تعمل في حقل الصيانة ومنها اليونسكو، يُضاف إلى ذلك ما حدث من تداعيات جراء احتلال القوات الأميركية والبولندية للموقع لاحقاً. ولابد من الاعتراف بحصول تجاوزات على المدينة، ومنها مد أنبوب النفط، والتمدد السكاني وما صاحبه من عمران عند حافات المدينة.

إن ما تم التنقيب فيه ضمن موقع المدينة القديم حتى الآن قد لا يتجاوز 20% من مساحته الكلية، لعدم اكتمال تنقيب المدينة أفقياً أو عمودياً، وحساب المكتمل يستند على التنقيب الأفقي، ونسبة ما تم النزول به إلى الطبقات السفلى، وينتظرنا المزيد من الأعمال في هذه المدينة المترامية الأطراف، والتي ربما ستميط اللثام عن أسرار حضارة بابل.

الموضوع الذي لم يُحل حتى الآن هو من يدير المدينة؟ فقد كان لهذا العامل أثر على ترشيح المدينة سابقاً، ولابد من الإشارة إلى أن السؤال الأول والحاضر، بقوة، من طرف كافة الفرق الدولية التابعة لليونسكو هو على من تقع مسؤولية ادارة هذا الموقع؟ لأن اليونسكو تود أن يتم التعامل مع جهة قطاعية واحدة ممثلة بوزارة الثقافة والسياحة والآثار، وهي التي تهيء وتحضر خطة الإدارة وخطة الصيانة، وهنا أشير إلى أن قرار إدراج بابل غير مشروط، ولا توجد ضوابط مفروضة على العراق. ولابد من تثبيت حقيقة مهمة تتعلق بموضوع عائديه منجز إدراج المدينة، والنجاح في إدارته خلال المفاوضات، فهو يُحسب للفريق العراقي برمته، بدءاً من كادر الهيئة المتمثل بـ 170 من آثاريي مفتشية آثار بابل، وقد تم اعتماد خطة مستقبلية لتشكيل فريق وطني تناط به حصرياً مهمة اختيار المواقع في انحاء العراق، وترشيحها على اللائحة، ووفق المعايير التي تضعها اليونسكو. لدينا سقف زمني  حتى شباط 2020 لإعداد خطة إدارة وصيانة الموقع، وتهيئة  المكان والكوادر الفنية للتعامل مع الملف، لكي نمضي بها بشكل لائق يستند إلى المعايير الدولية، وقد تبّنت الحكومة خطة خمسية لإنشاء بنى تحتية سياحية في المدينة الأثرية لاستكمال أعمال الصيانة فيها، وتهيئتها من الناحية السياحية، وخُصص لدعم الخطة نحو 59 مليار دينار سنوياً، وستكون جميع الأعمال السياحية والفعاليات والبنى خارج حدود الممتلك، وهي واضحة ومعروفة، وسور المدينة، أما الفعاليات السياحية فإنها ستقام في المنطقة المحمية، بينما الفعاليات الآثارية التي تتضمن صيانة المعالم والمعابد الشاخصة، واجراء حفريات فستكون بالتأكيد داخل المدينة، حيث سنقوم بشراء واستكمال تملك كافة العقارات الواقعة داخل المدينة الأثرية، من مزارع وبساتين وبيوت، أما فيما يخص التعاون الدولي، فإن العديد من المتاحف والمراكز والمؤسسات العالمية قد أبدت استعدادها للقدوم إلى بابل والعمل فيها، وقد تلقينا رسائل دعم وتأييد من المنظمات الدولية، مثل صندوق التراث العالمي، وصندوق النصب العالمي، ومنظمة جايكا، والمعاهد والمؤسسات الأميركية والأوربية لمساعدتنا في العمل بمدينة بابل لما تحظى به من قيمة عالمية، وأعلن متحف البيرغامون في برلين مؤخراً عن نيته الحقيقية لإعادة مزججات النسخة الثانية من بوابة عشتار، والتي كانت قد أُخذت للصيانة عام 1926، وسنفكر ملياً باختيار المكان الذي ستعرض فيه هذه البوابة للجمهور.

إن الحفريات السابقة في بابل كانت لفترة قصيرة ما بين أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ولا يزال ينتظرنا الكثير من الحفريات التي ربما ستكشف عن كنوز المدينة الآثارية، فقد كانت يوماً ما عاصمة للعراق القديم والشرق الأدنى خلال العصر البابلي الحديث في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، زمن حكم نبوخذ نصر ونبونئيد، لكننا لم نعثر على المدينة التي كانت في عصر حمورابي في بداية الألف الثاني قبل الميلاد.

إن ما يفصل بين العصرين البابلي الحديث والقديم نحو اثني عشر قرناً من الاستيطان، واسمها السومري هو "كا دينكرا"، الذي يعني "فم الاله" وقد ترجم إلى البابلية بـ"باب إيلم" أي باب الإله. إن كل معلوماتنا عن بابل جاءت من خارج بابل، جراء تنقيبات حدثت في أور، لكش، نفر، اشنونا ومدن أخرى، وهي التي ألقت الضوء على العصر البابلي القديم، وعلى ما جرى في مدينة بابل من أعمال أخرى ومنجزات، وأكاد أجزم أن الحفريات القادمة في مدينة بابل ستغير الكثير من حقائق تاريخ العالم المدون.

  لقد حكمت مدينة بابل، منذ عصر حمورابي، الشرق الأدنى القديم قروناً عديدةً، ويُعتبر عصره مميزاً حضارياً، وسنعثر فيه على الكثير من اللقى المادية والسجلات المدونة بالخط المسماري واللغتين السومرية والبابلية، والتي ستسلط الضوء على هذه الفترة التاريخية المهمة، والتي لم تشبع تنقيباً وبحثاً ودرساً، لذا نعتقد جازمين أن الحفريات في بابل ستجيب على العديد من الأسئلة، والإشكالات الموجودة في السجل الآثاري، وربما سيتم الكشف أيضا عن العديد من المعابد والمستوطنات.

ثمة أمر آخر نود الإشارة إليه وهو أحد العوائق التي قد تجابه المنقب في هذه المدينة، ونعني به المياه الجوفية التي تحول دون النزول إلى طبقات أقدم، لذا سنحاول إجراء حفريات في مواقع إلى الشرق من النهر، وهي تكاد تكون بعيدةً نسبياً عن مستوى نهر الفرات. كما سنحاول رصف وبناء شاطئ النهر الذي يحادد بابل لنمنع دخول المياه إليها، ونقلل من تجريف النهر للمدينة الأثرية.

من الواضح، إذن، أن التعرية ستكون المشكلة القادمة في حال حدوث فيضانات في نهر الفرات مثلاً. ومما لاشك فيه أن الحفاظ على آثار بابل والعراق بمجمله مهمة إنسانية، لأنها جزء حيوي من تراث البشرية، بابل العامرة التي كانت سرة الأرض يوماً، وذكرتها أدبيات الشرق الأدنى القديم والكتب السماوية.

 

2

Comments powered by CComment

Lock full review www.8betting.co.uk 888 Bookmaker