د.عامر عبد الله الجميلي

( نقوش ونصوص أثرية كتابية ) ظاهرة الشتائم والألفاظ البذيئة في العصر العباسي - مدينة #الحيرة أنموذجاً -

كتب بواسطة: Salam Taha. Posted in الاستاذ الدكتور عامر عبد الله الجميلي

تقييم المستخدم: 5 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجوم
 

 
أ . د . عامر عبدالله الجُمَيلي *
جامعة الموصل - العراق
 
قرأنا الكثير من ألفاظ وعبارات الشتائم والسباب واللعن في كتب الأدب العربي كمصنفات ومؤلفات الجاحظ والمُبَرّد وأبو الفرج الأصفهاني والأبشيهي وأبو حيان التوحيدي وابن الجوزي وغيرهم ، وقرأنا أن عدداً من الخلفاء العباسيين تم ذمهم وكتب الناس شتمهم على الحيطان وهجاهم الشعراء ببغداد .
لكن من طريف ما وردني من النقوش التي كلفت بقراءتها من فريق وبعثة التنقيب الآثارية العراقية في موسمي ٢٠١٧ و ٢٠١٨ م في أطلال وبقايا مدينة الحيرة الأثرية التي تقوم أنقاضها اليوم تحت( مشروع مباني مطار النجف الدولي ) وكان أغلبها على كسر الفخار ومدونة بالحبر على تلك الشقافات الفخارية وأغلبها من القرنين الثالث والرابع الهجريين ، حيث تضاءل وخفت دور الحيرة بفعل ازدهار مدينة الكوفة الواقعة بجوارها ، كما ضمت تلك الكسر الفخارية والخزفية كتابات سريانية بالقلم الغربي ( السرطو ) ، وتعكس تلك العبارات والنصوص جوانب من الحياة اليومية والالفاظ المتداولة ومنها التعبيرات السوقية والمبتذلة التي تهمز بقناة هذا وذاك وتطعن في سمعة هذه و تلك .
حيث نقرأ في إحداها لأحد سكان الحيرة يشتم شخصاً يدعى #علي ويصم أمه بأوصاف غير لائقة ويرميها بالخطيئة مع شخص يدعى #الحسن الذي لم يذكر هو الآخر اسم أبيه وكنيته ، كما ينعت أبيه بأكل الربا ، وفي هذا النص خطأ إملائي ، حيث يكتب : #الزناية بدل #الزانية ، واضاف همزة ( ابن ) في السطر الرابع ولم يحذفها مع أنها وقعت بين علَمين ولم تكن في بداية السطر .
حيث نقرأ :
" لا غفر الله لعلـﮯ بن
الزناية (الزانية) الفاسقة
الذﮮ يأكل أبوه
الربا ابن الزناية(الزانية)
التـﮯ زنت أمه
مع الحسن "
وواضح من أسلوب الخط وهو من طراز القرن الرابع الهجري ، ويجمع بين الخط الكوفي الموزون اليابس وخط النسخ المنسوب واللين ، فهو يجمع بين اليبوسة واللين وفيه تقوير . والكتابة معجمة ( منقطة ) ، فقد ظهرت حروف : غ ، ف ، الياء الراجعة ، ب ، ن ، ز ، الياء الأولية ، ق ، ذ ، ت . جميعها منقطة .
و #الحِيرَةُ كانت حاضرة سريانية - عربية ، عرفت بصيغة
ܚܝܪܬܐ حيرتو / حيرتا السريانية ، وتعني : المخيم أو المعسكر أو الحصن ، وأن "حيرتا" "حيرتو" و في التواريخ السريانية تقابل "العسكر" عند المصنفين العرب والمسلمين ، وعرفت كذلك بـ " ܚܝܪܬܐ ܕ ܛܘܝܘܝܐ حيرتا دي طويويا " ، أي الحيرة مدين الطائيين العرب ، كما عرفت بأسماء بعض ملوكها مثل "النعمان"، فوردت : " ܚܝܪܬܐ ܕ ܢܥܡܢ ܕ ܒܝܬ ܦܘܪܣܘܝܘܝܐ حيرتو د نعمان دبيث پورسويي"، أى: "حيرة النعمان التابعة لحكم الفرس - الساسانيين - " ، و هي أحد أركان المثلث الحضاري ما تُسمي بالنجف-الكوفة-الحيرة بالفرات الأوسط من الهلال الخصيب.
تضارب آراء المؤرخين وعلماء الآثار حول مؤسسها وتاريخ نشأتها. قد برزت في أيام الملك عمرو بن عدي في أوائل القرن الرابع م حيث اتخذها اللخميون عاصمةً لهم فأصبحت في عهدهم مركزًا سياسيًا وعسكريًا وأدبيًا مرموقًا. فتحها المسلمون عام 633. واللخميون أو المناذرة هم سلالة عربية حكمت أجزاء من العراق من حوالي منتصف القرن الثالث للميلاد إلى مطلع القرن السابع. كانت على تحالف مع الفرس الساسانيين، وفي حرب مستمرة مع الغساسنة المتحالفة مع الروم البيزنطيين. من أشهر ملوكها المنذر الثالث ابن ماء السماء (503 - 554م) وابنه عمرو بن هند (554 - 569 م) والنعمان الثالث أبو قابوس (580 - 602) وقد اعتنق المسيحية وتمرّد على الساسانيين فخلعوه عن العرش، وبذلك زالت دولة المناذرة. ولكن عاصمتهم الحيرة واصلت حياتها ونشاطها في العصر الإسلامي حتى اندثرت بانقراض الدولة العباسية بعد سقوط بغداد 1258م/ 656 هـ فأصبحت مدينة بائدة.
موقع الحيرة له تاريخ قديم، الأرجح أنه يرجع إلى زمن مملكة تدمر حيث ورد اسمها في نص مؤرخ لعام (32م) - أو إلى ما هو أقدم من ذلك، ذكرها من الروم كلوكوس واسطفانوس البيزنطي، ومن السريان يوحنا الأفسوسي ويوشع العمودي، ولكن فترة ازدهارها لم يبدأ إلا مع حكم سلالة المناذرة الذين عمروها واهتموا بها، ولاسيما النعمان بن امرئ القيس. أقدم أبنية كشفت في الحيرة ترجع إلى القرن الثالث الميلادي. وبعد ظهور الإسلام فتحت الحيرة صلحًا، ودخلت تحت سلطة الخلافة الإسلامية، وفي عام 691 م في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان أُدمجت كثير من ضواحي الحيرة مع الكوفة.
 
بداياتها عدل
لا يعرف مؤسس الحيرة معرفة أكيدة ولهذا تضاربت آراء المؤرخين وعلماء الآثار في بانيها وتاريخ نشأتها. نسب العرب القدماء بناءها إلى نبوخذ نصر الثاني كما جاء في معجم البلدان، وقالوا أنها خربت بعد موته وانتقل عربها إلى الأنبار وبقيت خراباً إلى أن هاجر رهط من أولاد معد بن عدنان وطنهم تهامة من بلاد اليمن سواء أكان لحروب لو لأحداث حدثت فنزلت قبائل منهم إقليم البحرين. وكان بين المهاجرين من تهامة مالك وعمرو ابنا فهم بن تيم الله من قضاعة. فاتفقت الأزد وقضاعة على التحالف فسموا تنوخًا وبهذا تمّ التكون التاريخي لاسم تنوخ في أيام ملوك الطوائف. فتطلعت أنفس من كان بالبحرين من العرب إلى ريف العراق واهتبلوا ما وقع بين ملوك الطوائف من الاختلاف ونزل كثير من تنوخ الأنبار والحيرة وما بين الحيرة إلى طف الفرات وغربيه إلى ناحية الأنبار وما والاها فتملك على تنوخ العراق مالك بن فهم وجعل منزله الأنبار وأتخذ في الحيرة قصرًا وبستانًا وأقطع رجاله الأقطاع فيها. وعظم اسم الحيرة في أيام الملك عمرو بن عدي من آل نصر اللخميين وبقيت عاصمتهم حتى الفتح الإسلامي للعراق .
أما سكان (الحيرة) هم من العراقيين الاوائل الذين كانوا قد اعتنقوا المسيحية النسطورية، لهذا كان يطلق عليهم لقب (عباد)، وتعني بالآرامي(المؤمنين)، وكانت لغتهم السائدة هي الآرامية. وفيهم قال الشاعر: يسقيـكما من بني العباد رشا / منتسـب عبـده إلى الأحـد ، اما بالنسبة لوجود العرب في المدينة فهو يتمثل اساسا بقبيلة (اللخميين) الحاكمة، ومنهم (المناذرة) الذين شكلوا سلالة امراء الحيرة.
والحيرة الحالية هي مركز ناحية إدارية عراقية تحمل نفس الاسم في قضاء المناذرة بمحافظة النجف في العراق .
______________________________________________________________________________________
*تنويه : لا يفوتني أن أتقدم بوافر الشكر والتقدير للأستاذ المنقب الآثاري سهيل التميمي رئيس هيئة التنقيب في الحيرة الذي كلفني بقراءة تلك النقوش وزودني بصورها .

Comments powered by CComment

Lock full review www.8betting.co.uk 888 Bookmaker